خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المفهوم الأوسع للصدقة ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المفهوم الأوسع للصدقة ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 1 ذو القعدة 1442هـ ، الموافق 11 يونيو 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 11 يونيو 2021م بعنوان : المفهوم الأوسع للصدقة ، للدكتور محمد حرز:
أولًا: فضل الصدقة في سبيل الله .
ثانيًا: الصدقة ليست مقتصرة على المال فحسب .
ثالثًا : آداب الصدقة.
رابعًا: ولنا في رسول الله وأصحابه الأسوة الحسنة والمثل الأعلى
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 11 يونيو 2021م بعنوان : المفهوم الأوسع للصدقة : كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المفهومُ الأوسعُ للصدقة د. محمد حرز بتاريخ: غرة ذي القعدة 1442هــ – 11يونيو2021م.
الحمد لله الذي أمرنا في كتابه بالصدقة، ودعانا إليها، وحثّنا على فعلها ، فقال في محكم التنزيل ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ )البقرة:274 )،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القائلُ كما في صحيح البخاري من حديث حارثة بن وهب رضى الله عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: “تَصَدَّقُوا؛ فإنَّه يَأْتي علَيْكُم زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بصَدَقَتِه فلا يَجِدُ مَن يَقْبَلُهَا، يقولُ الرَّجُلُ: لو جِئْتَ بها بالأمْسِ لَقَبِلْتُها، فأمَّا اليَومَ، فلا حاجةَ لي بها” فاللهم صل وسلم وزد وبارك على النبي المختار وعلى آله وصحبه الأطهار وسلم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [سورة أل عمران (102)ثم أما بعد: (المفهومُ الأوسعُ للصدقةِ) عنوان وزارتنا وعنوان خطبتنا .
عناصر خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المفهوم الأوسع للصدقة
أولًا: فضل الصدقة في سبيل الله .
ثانيًا: الصدقة ليست مقتصرة على المال فحسب .
ثالثًا : آداب الصدقة.
رابعًا: ولنا في رسول الله وأصحابه الأسوة الحسنة والمثل الأعلى
بداية ما أحوجنا إلى أن يكون حديثنا عن المفهوم الأوسع للصدقة وخاصة في زمن الأمراض والأوبئة ((كورونا والفطر الأسود والأبيض والأصفر وغيرها ))تلكم الفيروس البسيط الذي أرعب كل شعوب الأرض وغير معالم الحياة في الدول كلها وبيَّن أن الصحة نعمة من أعظم نعم الله عز وجل التي تستوجب الشكر الدائم وطلب المعافاة الدائمة، والصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يعرف قدرها ولا حقيقتها إلا المرضى يا سادة،وبيَّن أن المال لا قيمة له مالم يُستغل في طاعة الله فكم من صاحب مال يملك من الدنيا الكثير والكثير ورحل مع فيروس كورونا، صحيح من لم يمت بكورونا مات بغيرها.. تعددت الأسباب والموت واحد لكن علينا أن نأخذ العبرة والعظة وأن ندرك أن الصحة نعمة عظيمة تتطلب منا شكرها بشتى السبل، والتي تعد الصدقة من أهمها، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ)وأن نعلم أن الدينا إلى زوال وأن ما ينفع الإنسانُ هو عملُه الصالح، ومن أنفع الأعمال التي تنفع صاحبها حيا وميتا هي الصدقة فالصدقة شعار المتقين، ولواء الصالحين المصلحين ولا يغني ذلك كله عن الأخذ بأسباب التداوي والتزام سائر الإجراءات الاحترازية والوقائية وإجراءات التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامة فعلا لا شكلا، أخذًا بأقصى الأسباب مع حسن التوكل على الله عز وجل والضراعة إليه برفع الكرب والبلاء عن البلاد والعباد.
أولًا: فضل الصدقة في سبيل الله.
أيها السادة: الصدقة بابٌ من أبواب الخير والفلاح في الدنيا والآخرة ، وسبيلٌ إلى الفوز برضوان الله جل وعلا في الدنيا والآخرة ، والصدقة تطهيرٌ وتزكيةٌ للنفوس، والصدقة من أعظم شعائر الدين ، وأكبر براهين الإيمان ، ففي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( والصدقة برهان )) دليلٌ قاطع وبُرهانٌ حاسم على إيمان صاحبها ودينه ومحبته لله تعالى،والصدقة تنميةٌ وزيادةٌ للأموال ، والصدقة تنميةٌ للأجر والثواب ، والصدقة سدٌ لحاجات الفقراء والمحتاجين ، وسبيل لجلب السعادة إلى نفوسهم ، ورسم الابتسامة على شفاههم ، والصدقة وسيلةٌ لتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد ،وطريقٌ إلى انتشار الرحمة والتآخي والمودة بين الناس ,والصدقة تدفع بفضل الله النِقم والمكاره والأسقام والأوبئة التي انتشرت في زمننا قال تعالى﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ (التوبة: 103) أيها السادة : لو نظرتم إلى القرآن الكريم وتأملتم ما فيه لوجدتم أن الله تبارك وتعالى نادي على أهل الإيمان بنداء الكرامة في القرآن : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} سورة البقرة(254) بل اسمع إلى هذه الآية التي لو ذكرتها في فضل الصدقة لكفت قال ربنا (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَاللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (سورة المنافقون) والصدقة في سبيل الله صفة من صفات المتقين قال ربنا: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة أل عمران (134) بل جعل النبَّي صلى الله عليه وسلم الغنى مع الإنفاق بمنزلة القرآن مع القيام به، فعن َعبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “لَا حَسَدَ إِلَّا عَلَى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ“ متفق عليه
بل كفي بالصدقة شرفا وفضلا أنها تطفئ غضب الرب جل وعلا فعن أبي أُمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ صَنائِعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ، وصدقة السر تُطفِئُ غضَبَ الرَّبِّ وصِلةُ الرَّحِمِ تزيد العمر”. رواه الطبراني
بل لقد أقسم ربنا قسما يليق بجلاله وكماله بفضل الصدقة وأنها لا تنقص المال فعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :“ ثَلاَثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ ، قَالَ : فَأَمَّا الثَّلاَثُ الَّتِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ : فَإِنَّهُ مَا نَقَّصَ مَالَ عَبْدٍ صَدَقَةٌ ، وَلاَ ظُلِمَ عَبْدٌ بِمَظْلَمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا، وَلاَ يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ فَقْرٍ“ بل كفي بالصدقة شرفا وفضلا أنها تجعل الإنسانَ في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله يوم تدنو الشمس من الرؤوس يوم يلجم العرق الناس إلجاما فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ “منهم: “وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ “رواه البخاري
بل انظروا أيها السادة رجل يمشي يومًا في الصحراء فيسمع صوتًا : “ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ“ ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” بَيْنا رَجُلٌ بفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحابُ، فأفْرَغَ ماءَهُ في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجَةٌ مِن تِلكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الماءَ، فإذا رَجُلٌ قائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بمِسْحاتِهِ، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ ما اسْمُكَ؟ قالَ: فُلانٌ، لِلاِسْمِ الذي سَمِعَ في السَّحابَةِ، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فقالَ: إنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا في السَّحابِ الذي هذا ماؤُهُ يقولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاِسْمِكَ، فَما تَصْنَعُ فيها؟ قالَ: أمَّا إذْ قُلْتَ هذا، فإنِّي أنْظُرُ إلى ما يَخْرُجُ مِنْها، فأتَصَدَّقُ بثُلُثِهِ، وآكُلُ أنا وعِيالِي ثُلُثًا، وأَرُدُّ فيها ثُلُثَهُ.“
فالصدقة سببٌ في دعاء الملائكة للإنسان أن يزيد الله تعالى في ماله ، وأن يُبارك له في رزقه ففي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : “مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ))كفى بالصدقة شرفًا وفضلًا أنها سببٌ لعلاج الأمراض والأوبئة فعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( حصنوا أموالكم بالزكاة ، وداووا مرضاكم بالصدقة ))رواه الطبراني
والصدقة سبب من أسباب النجاة من النار كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم)): اتقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) رواه البخاري. وعن عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »رواه مسلم
فهل فكرت في هذا المشهد ؟! يوم القيامة يوم تقف للحساب وحدك بين قاضي القضاة وجبار السماوات والأرض بين يدي من لا يغفل ولا ينام يكفيك للخروج من هذا الموقف صدقة تتصدق بها على فقير أو مسكين أو يتيم
تذكر وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشًا قلق الأحشاء حـيرانًا
النار تلهب من غيظٍ ومن حنقٍ على العصاةِ ورب العرش غَضبانا
اقرأ كتابك يا عبدُ على مَهَـل فهل ترى فيه حرفا غـير ما كانا
فلما قرأت ولم تنكر قراءتـه إقرار من عرف الأشياء عرفـانا
نادي الجليل خذوه يا ملائكتى وامضوا بعبدٍ عصا للنار عطشانا
المشركون غـدًا في النار يلتهبوا والمؤمنـون بدار الخـلد سكانا
وأفضل الصدقة أن تتصدق وأنت شحيح تأمل الغني وتخشي الفقر فعن أبي هريرة جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قالَ:“ أَنْ تَصَدَّقَ وأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وتَأْمُلُ الغِنَى، ولَا تُمْهِلُ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، ولِفُلَانٍ كَذَا وقدْ كانَ لِفُلَانٍ“متفق عليه بل (بَصَقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِي كَفِّهِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ ثُمَّ قَالَ: “قَالَ اللَّهُ : ابْنَ آدَمَ أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ قُلْتَ: أَتَصَدَّقُ وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ“رواه أحمد
فبادر قبل أن تغادر بالصدقة والإنفاق ومساعدة الفقراء والمساكين تسعد في الدنيا والآخرة.
ثانيــــًا: الصدقة ليست مقتصرة على المال فحسب.
أيها السادة : الصدقة ليست مقتصرة على المال فحسب ،فكل معروف صدقة، إماطة الأذى عن الطريق صدقة، تبسمك في وجه أخيك المسلم صدقة، دلالة المستدل على حاجته صدقة ،هداية الأعمى صدقة ، والسرور تدخله على المسلم صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة لقول النبـي r في الحديث الذي رواه مسلم : ( …. وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا) رواه مسلم
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنْ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ) رواه الترمذي
بل أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، والتهليل صدقة والتسبيح صدقة والتحميد صدقة فعن أَبِى ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ فِى كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ فَلَهُ بِكُلِّ صَلاَةٍ صَدَقَةٌ وَصِيَامٍ صَدَقَةٌ وَحَجٍّ صَدَقَةٌ وَتَسْبِيحٍ صَدَقَةٌ وَتَكْبِيرٍ صَدَقَةٌ وَتَحْمِيدٍ صَدَقَةٌ )».وعلى كل مسلم صدقة فعن أبي موسى الأشعري رضى الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: فَيَعْمَلُ بيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ. قالوا: فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ. قالوا: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فَيَأْمُرُ بالخَيْرِ -أوْ قالَ: بالمَعروفِ- قالَ: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ؛ فإنَّه له صَدَقَةٌ) رواه البخاري
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَزْرَعُ زَرْعًا أَوْ يَغْرِسُ غَرْسًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” رواه البخاري
ومن الصدقات أن يكون المسلمٌ من مفاتيحِ الخير ومغاليقِ الشر بأن يدل على الخير ويُرشد إليه وينصح به ، لما جاء في ( شُعب الإيمان ) عن ابن عباس رضي الله عنهما : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:” كُلُ معروفٍ صدقة ، والدالُ على الخير كفاعله.“
ومن الأمور التي لا يعلمها الكثيرون من الناس وهي من أعظم الصدقات ؛ أن صاحبَ الدَّين له بكل يومٍ صدقةٌ مثلُه، قبل أن يحلَّ موعد سداد الدَّين، فإذا أنظرَ أخاه المعسِرَ بعد حلول موعده؛ كُتب له بكل يومٍ صدقةٌ مِثلاهُ، ففي الحديث الصحيح عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “من أنظر معسرًا فله كلُّ يومٍ صدقةٌ قبل أنْ يحلَّ الدَّينُ فإذا حلَّ الدَّينُ فأنظره بعد ذلك فله كلُّ يومٍ مثليه صدقةٌ“
وأما من أقرض ثم تسامح مع من لا يستطيع السداد، وخفف عن المعسر، فإن هذا الفعل من أسباب غفران الذنوب ودخول الجنة، روى البخاري ومسلم عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَاتَ رَجُلٌ، فَقِيلَ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْمَلُ؟، قَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، فَأَتَجَوَّزُ عَنِ المُوسِرِ، وَأُخَفِّفُ عَنِ المُعْسِر، فَغُفِرَ لَهُ. وفي لفظ: «فَأَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ)) متفق عليه
فمن الخطأ الكبير أن يحصر الناس مفهوم ( الصدقة ) في مجرد بذل الأموال وإخراجها من النقود للفقراء والمساكين ، أو صرفها في أوجه الخير المتعددة ، بل الصدقة أعم وأشمل وأوسع من هذا بكثير والسعيد من وفقه الله لعمل الخير والشقي من حرم من عمل الخير .
ثالثـــًـا: آداب الصدقة
أيها السادة : هناك آداب ينبغي على المتصدق أن يراعها قبل إخراج صدقته منها على سبيل المثال لا الحصر : أولها :أن يراد بها وجه الله لا رياء ولا سمعة ولا مفاخرة وأن لا يبطلها بالمن والأذى والمن أن يذكرها والأذى أن يظهرها قال ربنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَـاتِكُم بِالْمَنِّ وَالاذَى كالذي يُنفِقُ مَالَه رِئَآءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ }سورة البقرة264
بل من آدابها أن تكون من مال حلال؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا لذا قال النبي المختار صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } وَقَالَ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)رواه مسلم
بل من آدابها: أن تكون من أفضل وأحسن ما يملك الإنسان قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (البقرة/267)
قال الله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران/92بل يروى أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تعطر الدنانير والدراهم قبل أن تتصدق بها، فتسأل عن ذلك؟ فتقول: إنني أضعها في يد الله تبارك وتعالى قبل أن تصل إلى يد المسكين.
أحزان قلبي لا تزول** حتى أبشر بالقبول
و أرى كتابي باليمين ** وتقرعيني بالرسول
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم الخطبة الثانية الحمد لله ولا حمد إلا له وبسم الله ولا يستعان إلا به وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعد
رابعًا : ولنا في رسول الله وأصحابه الأسوة الحسنة والمثل الأعلى
أيها السادة : كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس ،وكان كالرياح المرسلةلا يمسك شيء كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَة)ِ.رواه البخاري قال عنه على بن أبي طالب رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس صدرا، وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بدهية هابه، ومن خالطه معرفة أحبه ، يقول ناعته : لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم. فكان صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة؛ ولهذا أعطى رجلاً غنما بين جبلين فرجع الرجل إلى قومه وقال: يا قومي أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة، كما في حديث أنس رضي الله عنه ,فكان صلّى الله عليه وسلّم أكرم الناس، وأشجع الناس، وأرحم الناس وأعظمهم تواضعاً، وعدلاً، وصبراً، ورفقاً، وأناة، وعفواً، وحلماً، وحياءً، وثباتاً على الحق. وكان يقول: “أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً)
أيها السادة : انظروا إلى فضل الصدقة في سبيل الله فلا تحرم نفسك من هذا الخير ..بل إذا مات أبيك أو أمك وأردت أن تبرهما بعد موتهما فعليك بالصدقة عنهما فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةِ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) متفق عليه
والصدقة على القريب صدقة وصلة للرحم كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم ( الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ) رواه الترمذي فكن أخي المسلم من أهل البر والإحسان وكن من أهل المعروف ومن أهل العطف والمودة والرحمة لتسعد في الدنيا والآخرة كتب خطبة الجمعة القادمة بعنوان : المفهوم الأوسع للصدقة العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف